Mar 30, 2011

النظرة المُتَرَوِّية في صرخة الثورة المُدَوِّية


الحمدلله الذي خلق البشر أحرارا، وتوعّد الظلم والظالمين مِرارا، وأخرج الحيّ من قلوب كانت أحجارا، وأيّدها بروح منه ففاضت أنهاراً وبحارا، وانبثق عدله على ملكوته أنوارا، لا إله إلا هو له الملك وحده لا شريك له بيده كل شيء علماً وأسرارا.

والصلاة والسلام على محمد إمام الانعتاق، الذي حطّم الأصنام ووسّع الآفاق، عبدُ الله ورسوله الذي تنزّه عن الإطراء والنفاق، وثار على الجَوْر والإملاق، فهوت إليه الأفئدة واشرأبّت الأعناق، ثم رحل بلا مُلك أو وِرث وهو لربّه مشتاق، فنفذت رسالته واستقرّت رحمةً وجذوةً في الأعماق.

أما بعد، فقد قمنا بتدوين هذه العجالة لإمام شهداء الثورة العربية، محمد بوعزيزي، صاحب تونس الحرّة، دفين سيدي بوزيد التي كانت على الطغيان مُرّة، الجالس على عرش قلوب أمّته البَرّة، والذي ترفرف روحه من فوق كفاحهم في كل كرّةٍ وفرّة.

فاعلم، رحمك الله، أنك بفدائك نفسك ضد الضَيْم والإذلال قد صنعت ما عجزت عن تخيّله الأحلام، وأنك بهول مأساتك كنت مخلّص هذه الأمّة من الآلام، وأن شعلة جسدك كانت وميض فجر انشقّ عنه ليل طويل حالك الظلام، وشمساً جديدة للحرية سطعت على سائر الأنام، وإذا بالحياة تدبّ في رميم العظام، وإذا بقومك الغارقين في غياهب الانهزام، يدكّون الأرض دكّاً مزلزلين أباطرة الأوهام، ويُزمجرون بصوت واحد مجلجِل: الشعب.. يريد.. إسقاط النظام.  فائذن لي، غفر الله لك، بأن أتأمّل في ما وراء الصرخة، التي استلهمَت بؤسَك، من إلهام.

   الشَّعْبُ..
ورد في "لسان العرب" أن الشّعْب هو الجَمعُ، والتَّفْريقُ، والإِصلاحُ، والإِفْسادُ. وفي حديث ابن عمر: "وشَعْبٌ صَغِـيرٌ من شَعْبٍ كبيرٍ" أَي صَلاحٌ قلِـيلٌ من فَسادٍ كَثِـيرٍ.  فهي إذن من عجائب كلام العرب، وقيل من الأضداد، فيُقال "التَـأَمَ شَعْبُهم" إِذا اجتمعوا بعد التفَرُّقِ؛ و"تَفَرَّقَ شَعْبُهم" إِذا تَفَرَّقُوا بعد الاجتماعِ.  وفي حديث عائشة في وصفها أَباها: "يَرْأَبُ شَعْبَها" أَي يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ أَمْرِ الأُمّةِ وكلِمَتَها.  فإذن الشعب قوم تشعّبوا (افترقوا) في الأصل عن غيرهم من بني آدم فانشعبوا (التأموا) في جماعة واحدة يجمعها الموطن والقربى والتاريخ والثقافة، ثم تشعّبوا (تفرّقوا) إلى قبائل أو عوائل وإلى معتقدات وأطياف وطبقات ورؤى مختلفة أفراداً ومجموعات، ثم شعّبَهم (ضمّهم) مقصد أكبر ألا وهو الخير المشترَك في أمنهم وسِلمهم ورِزقهم وحرثهم ونسلهم وتمدّنهم وتحضّرهم وعمار بلادهم وازدهارها بما فيه صالحهم وذرّيّاتهم.
   يُرِيد..
وفي "لسان العرب" أيضاً نجد أن الرَّوْد مصدر فعل الرائد، وهو الذي يُرْسَل في التماس النُّجْعَة وطلب الكلإِ.  وأَصل الرائد الذي يتقدّم القوم يُبْصِر لهم الكلأَ ومساقط الغيث، وفي حديث وفد عبد القيس: "إِنَّا قوم رادَةٌ"؛ وهو جمع رائد كحاكة وحائك، أَي نرود الخير والدين لأَهلنا.  كما يقال: رادَ يَرودُ إِذا جاء وذهب ولم يطمئن، ورجل بات رائدَ الوِسادِ إِذا لم يطمئن عليه لِهَمٍّ أَقلَقَه.  وأراد الشيءَ أي شاءَه، فالإرادة هي القصد والمشيئة، وقيل في قوله تعالى: "وجدا فيها جداراً يُريد أَن ينقضَّ فأَقامه" أن الإرادة إِنما تكون من الحيوان (أي الكائن الحيّ)، والجدارُ لا يريد إرادة حقيقية لأَنَّ تَهَيُّؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أَفعال المريدين.  وعليه فإن الإرادة هي فعل الحياة وما يميّزها عن غيرها من أنواع الوجود، والمُراد هو المطلب أو الغاية التي يسعى المُريد حثيثاً إليها ولا يستقرّ إلا ببلوغها، أي المقصد الأكبر الجامع إن كان المريد شعباً.
   إسقاط..
في "العباب الزاخر"، نجد أن الأصل في السقوط نزوْلُ الشيءِ من أعلى إلى أسفل ووقوعهُ على الأرضْ، ويقال: سقطَ الولدُ من بطنِ أمه، ولا يقال وقعَ، ويقال: هذا الفعلُ مسقطةُ للإنسان من أعين الناس.  ولا يقال: أسقط (بالألفِ) على ما لم يُسمّ فاعله، فيقال: أسقطت الناقةُ وغيرها إِذا أَلقت ولدها.  والسَّقْطةُ في "لسان العرب" الوَقْعةُ الشديدةُ، وفي التنزيل العزيز: "ولَمّا سُقِط في أَيديهم"؛قيل أي ضرَبوا بأَكُفِّهم على أَكفهم من النَّدَم، فيقال للرجل النادم على ما فعل الحسِرِ على ما فرَط منه: قد سُقط في يده وأُسقط.  وأسقطت المرأَةُ ولدها إِسْقاطاً، وهي مُسْقِطٌ، أي أَلقَتْه لغير تَمام.  إذن فالمراد من الإرادة المذكورة هو إلقاء شيء كان في العُلى إلى الأرض، أو لفظ جسم ميت أو يوشك أن يموت، ثم دفنه أو تركه حتى يتحلل مع الزمن، على أن يكون الفاعل في فعل الإسقاط هو الشعب.

   النظام..
في "لسان العرب"، النَّظْمُ هو التأْليفُ، نَظَمَه يَنْظِمُه نَظْماً ونِظاماً ونَظَّمه فانْتَظَم وتَنَظَّم.  ونظَمْتُ اللؤْلؤَ أي جمعته في السِّلْك، والتنظيمُ مثله، ومنه نَظَمْتُ الشِّعر ونَظَّمْته، ونَظَمَ الأَمرَ على المثَل.  وكلُّ شيء قَرَنْتَه بآخر أو ضَمَمْتَ بعضَه إلى بعض، فقد نَظَمَتْه.  والنِّظام ما نَظَمْتَ فيه الشيء من خيط وغيره، وكلُّ شعبةٍ منه وأَصْلٍ نِظام.  ونِظامُ كل أَمر: مِلاكُه، والجمع أَنْظِمة وأَناظيمُ ونُظُمٌ.  وقيل النَّظْمُ نَظمُك الخرزَ بعضَه إلى بعض في نِظامٍ واحد، كذلك هو في كل شيء حتى يقال: ليس لأمره نِظامٌ أي لا تستقيم طريقتُه.  وفي حديث أَشراط الساعة: "وآيات تَتابعُ كنِظامٍ بالٍ قُطِعَ سِلْكُه"؛ فالنِّظام العِقْدُ من الجوهر والخرز ونحوهما، وسِلْكُه خَيْطُه.  وهكذا نرى أن الشيء الذي يريد الشعب إسقاطه هو الأساس الذي يجمع كافّة الأجزاء مع بعضها البعض ويُبقي عليها في مكانها لتكوّن الكلّ الفاسد، وهو كما انتهت إليه قناعتهم أساس مهترئ لا يصلح إلا لاستمرار الفساد، ولا يزول الفساد إلا بالتخلّص منه واستبداله بنظام جديد من شأنه أن يمنع كلّ ما دفعك على إحراق نفسك قرباناً للعدالة والكرامة الإنسانيّة وشعلة للحرّيّة العربيّة.

رحمك الله يا شهيد الزمان، ورحم قومك من بعدك.

Mar 22, 2011

الآن فهمت لِمَ سمّوك بالقطاع

نظرتُ إلى التاريخ فوجدتك..
خنجراً مغروساً يأبى الاقتلاعْ
ثم إلى الخريطة فاكتشفتُ أنك..
مدفعٌ مصوّبٌ إلى دولة النِـزاعْ
هكذا إذن، فأنت بفقرك وبؤسك..
أعجزت قوّاتَ "الدفاع".. عن الدفاعْ



وبما أن ليس لديك ما تخسره..
سوى بضع حرية وإرادة لا تُباعْ
جُعتَ وثُرتَ على نفسك وأعدائك..
فعلى الحُرّ يستعصي الانصياعْ
وزاد الجوع فبات زاداً لثورتك..
فأصبح الجوع خبزاً وتنّوراً للجياعْ


وما الجديد في حربٍ على شعبٍ..
ما حياته إلا حرب دائمة الاندلاعْ؟
فقاتلتَ فقُتِلتَ.. وقُتِلتَ فقاتلتَ..
بل تجرأت على الجدار والقِلاعْ


وقلتَ: "نعم والله.. أنا القطاعْ
قاطعُ الملذّاتِ.. مُقطِّعُ القلوبِ..
بؤرة الظلم النافذة في الأضلاعْ

أحيا لأموت وأموت لأحيا..
أنا لضمائر البشر سوط الإيجاعْ"

"
أنا مَن عرّى النفاق مِن الأخلاق..
مستنقعٌ عَكَس الدمامة خلف القناعْ
دمقراطية، ميثاقُ أممٍ، حقوقُ إنسان..
قانونٌ دولي.. وخلفهم عنصرية إخضاعْ
ودمقراطيتي أنا؟ وأمّتي؟ وحقوقي؟..
أنا الثائر دوماً لحقوقي بلا انقطاعْ
ضد التجاهل والإنكار والإلغاء..
والابتلاع والانقراض والضياعْ"

"
أنا الهِرّ الحرّ النازف الممزَّق..
انتحابي زئيري وانتحاري شجاعْ
قبل كل زهقة روحٍ أبصق دمي..
وأقذف أشلائي على وجوه الضِباعْ"

"
والله لأغزوَنّ بيوت العالم بجثثي..
وأحرِقَنّ بِنَتْنِ جِيَفي جميع الأصقاعْ
ولن أكفّ عن التألّم أو التظلّم..
أنا المنتصب أبداً تحت قوى الإركاعْ
سأقهرها بضعفي وأسحقها بضآلتي..
أنا الآن خليفة داوود على المقلاعْ
كل العالم جالوت وقلبي من حَجَر..
فبه أرمي وبه أحمي.. وبه أُنهي الصراعْ"

"
لستُ بقطعة شعبٍ على قطعة أرضٍ..
وقطعاً لستُ قطيعاً أو مجرّد إقطاعْ
أنا فلسطينُ فلسطينَ.. سِجنُ السِجنِ..
أنا أزمةُ أزمةِ العالمِ.. وقاعُ القاعْ"

"
أنا قطيعةُ الذاتِ.. فعلاً أنا القطاعْ
قاطعُ الملذّاتِ.. مُقطِّعُ القلوبِ..
حياتي موتٌ.. وموتي ملحمة إبداعْ"
***
حرب غزة 2008-2009

الخروج من الجنة


ها أنا أخرج من الجنة
وأهجر البيت الكبير
فأنا لم أستحقها يوماً
وما كان البيت بيتي أصلاً
فهل كان لي أن أتوقع غير هذا المصير؟

ها أنا أهبط على الأرض
إلى البرد والعراء
بعيداً عن دفء السماء
آخذ مكاني بين الحيوانات المتوحشة
أشبع جميع رغباتي المتعطشة
أقطف وأصيد
أفترس من أريد
أتعرى كالوليد
أفعل ما أريد

ماذا ينفعني الخلود..
إن لم أشعر بالوجود؟
وما اعتدادي بالسجود..
إن شلّتني القيود؟

لن أنظر إلى الوراء
ولن أبحث عن حواء
فحتى الجنة خرجت من الجنة
عندما انعدمت لذة اللقاء بين الغريزة والإغراء
وتطايرت شرارات نقمة الإله من عيون حواء
وأصبح "الحب" معبوداً، سميعاً بصيراً
يمهل ولا يهمل، له جنة ونار، ويوم قضاء
وعندما أصبح التعرّي، كما خُلِقنا أصلاً، لعنة وجزاء

قد خرجت الجنة من الجنة..
عندما تحولت حواء إلى خواء
وآدميتي إلى وباء
والأسماء كلها إلى هراء

ها أنا أمشي إلى الفناء
فإلى اللا لقاء

Mar 14, 2011

بصراحة، لا يهمّني فيكنّ إلا نفسي


أنا أنانيّ.  وأنا مقتنع بأن المصلحة الشخصيّة هي الدافع الأساسي الدفين وراء كل ما يفعله الإنسان بلا استثناء، أي ما يعتبره هو مصلحته من وجهة نظره في الوقت الذي قام فيه بالفعل.  وهذه الغريزة الطبيعية تشمل بالطبع علاقتي، كذكر، بالأنثى في حياتي وتعاملي معها: أنا أوّلاً.


أتأمّل، أول ما أتأمّل، أُمّي، حفظها الله لي قدر ما يتكرّم.  تُرى لو كان قد تسنّى لها أن تطوّر شخصيتها إلى الحدّ الأقصى المتاح لها كإنسانة، أو بما يكفي لأن تشعر بالقوة والثقة في ذاتها، أما كانت ستحدّ من تسلّط أبي، حفظه الله لي قدر ما يتكرّم، ومن تسلّطي؟  أما كانت ستخلق توازناً أكبر في حياتي؟  لو كانت أمّي أقلّ سلبيّة، أقلّ غضباً، أما كانت ستشكم همجيّتي؟ لو كانت أمّي أكثر أملاً، أما كانت ستصبح الحياة أجمل في عيوني؟ لو كانت أمّي إنساناً أكثر اكتمالاً، أما كان سيصبح لي، حتى وأنا على أعتاب الأربعين، "ماما" ألجأ إليها لتحلّ مشاكلي وتحقّق طلباتي؟  ليت أمّي كانت كذلك، حرّة، قويّة، متنوّرة، مقتدرة، لربّما كنت أنا ألطف، أذكى، أجرأ، أهنأ.


 أريد لأختي المتزوجة حياة سعيدة مع زوج تجد نفسها معه ويجد نفسه معها، حتى لا يعكّر بالي همُّها، ولكن لا أريدها أن تعتمد عليه كي تعيش فتصبح مسلوبة الإرادة.  فقد وجدت الزواج المبني على "منه المال ومنها البنون" أو "منه المال ومنها [أي شيء آخر]" في الحقيقة مجرّد صفقة تجارية، لا أرضى لأختي أن تكون الطرف المأجور فيه.  أريد لأختي المطلّقة حياة سعيدة بدون زوج بالضرورة، حيث تستطيع أن تَعمُر بيتها بأيديها وبمواهبها وبشخصيتها وأن تربّي أطفالها بنفسها.  أريد لأختي العزباء أن توفّق في تأسيس أسرة خاصة بها إن أرادت أو أن تعيش حياة مستقلّة ومُثمرة ومستجيبة لطموحاتها.  وأريد لهنّ جميعاً أن يكنّ حُرّات، قويّات، متنوّرات، ومقتدرات، أن يتمكّنّ مِن رعاية أنفسهنّ والتعلم من تجاربهنّ وتحمّل مسؤولياتهنّ ومِن طلب الرزق بأنفسهنّ ومِن تحقيق ذواتهنّ، وأن يتملّكن ليس بيوتهنّ فحسب، بل وأجسادهنّ وعقولهنّ وإراداتهنّ ومصائرهنّ.  ففي ذلك اطمئناني، إذ لا يهدأ لي بال ولي أخت ترزح تحت الرقّ، وفي اطمئناني.. مصلحتي.


أمّا عن الأنثى التي يُفترض أن أكون وليّ أمرها وقوّاماً عليها، فإنّ مسؤوليتي عن نفسي تُثقل كاهلي بما يزيد عن طاقتي.  فأنا مشغولٌ بذاتي، مغمورٌ بخطاياي، ضالٌّ في عمق التِّيه الذي يقع على الطريق نحو أرض الحقيقة، مُحاطٌ بشياطيني الراقصة كلّما نِمت أو صحوت.  فبصراحة، لست مستعداً فوق كل ذلك لتحمّل أوزار غيري وللوصاية على اختياراتهم في الحياة.  وإن كنتُ قد خُلِقت في كَبَد، فلن يُلهيني عنه الانشغال بكَبَد إنسان آخر، بل سيصبح الكَبَد في صدري كَبَدَيْن.  أليس كل إنسان مسؤولاً عن قراراته الفردية أمام الله والمجتمع والقانون؟  أليست المرأة إنساناً؟  فمَن أنا حتى أنصّب نفسي رسولاً بينها وبين ربّها؟  لماذا لا أدعها تتحمّل مسؤولياتها في تكوين فلسفتها في الحياة؟  وإن كانت غير قادرة أو غير واعية، فكيف أتركها هكذا لتصبح عالة أخلاقية على عاتقي؟  إن أملَيت عليها ما تقول وما تفعل وما تلبس، وحجبتها عن العالم إلا بإذني وبمعيّتي أو تحت مراقبتي، صار البيت سجناً وهي المُدانة فاقدة الثقة التي تقبع فيه، وصرت أنا السجّان.  ما أتعسني لو كان بيتي مقبرة للحرّيّة، فليس أكثر بؤساً من حياة السجّان إلا حياة المسجون.  هذا وهي، للتذكير، إنسانة، من خلال امتلاكها الكامل لقرارها تُحرِز ثقتها بنفسها ورضاها عنها، وفي ثقتها بنفسها ورضاها عنها.. ثقتي بها، وفي ثقتي بها.. مصلحتي.


ثم أن هذه الإنسانة، حسب فهمي، عندما اصطفتني في الأصل لم تكن تبحث عن جدارٍ تحتمي خلفه، أو عن شِماغٍ تتوِّجُ بصورتِه حروفَ اسمها ويفترش مخّاً يفكّر بالنيابة عنها، أو عن صوتٍ خشنٍ يترجم صمتها.  وإنما اختارتني تعطّشاً لحفنة من الحرّيّة وسعياً لإتمام ذاتها ولإشباع طموحاتها في الحياة.  كانت، حسب فهمي، تحبّني لذاتي، وما كانت لتستطيع أن تحبّني إن لم تكن حرّة وواعية في اختيارها لي وفي مقارنتي بغيري.  كانت تبحث عن الرفق والرفقة، وإن لم تجد ذلك عندي، وخابت آمالها معي، واكتشفتْ أنها أخطأت في اختياري وأن حياتها أفضل بدوني أو مع غيري، فربّما تكون على حقّ، فكثيرة هي عُقَدي وبؤر العجز عندي.  إلا أنّ احترامي لنفسي، عندئذ، سيدفعني إلى أن أنزّهها (أي نفسي) عن كل ما يُحرِجها، وأن أستحي من الجثوم على أنفاس امرأة ترفضني، كما لن يسمح لي بالحنق والرغبة في الانتقام بشكل لا يدلّ إلا على صغر نفسي.  فالمسألة مسألة كرامة، وفي كرامتي.. مصلحتي.


وسواءً غيّبتني عنها الحياة أو الموت، فإن غاية حرصي أن تكون أمّ أولادي حرّة، قويّة، متنوّرة، مقتدرة، وأن لا ينفد من قلبها الأمل، على الأقل حتى أطمئنّ على مستقبل ولدي وبنتي، وما أدراك ما بنتي:  تلك الأنثى التي نبتت بعناد الحياة من صُلب ذكورتي، بنتي التي لن أتوقف عن البحث في أعينها عن حلم كبير إلى أن أجده، وعن تأمل أي ومضة فضول فيهما قد تشعل ناراً وراء الأفق لتكون مقصدها في رحلة الوجود، بنتي التي سأعمل جاهداً ما حييت لأشهد تحوّلها من شرنقة الأنثى إلى فضاء الإنسان.  ففي مصلحة بنتي.. مصلحة ولدي، وفي مصلحة ولدي.. مصلحة بنتي، وفي مستقبلهما ومصلحتهما معاً.. بقائي ومصلحتي.


فأنا، بصراحة، أناني، مُنقاد لمصلحتي في أن تحقّق الأنثى الاكتفاءَ الذاتيّ، اقتصادياً وفكرياً وعاطفياً، كل الأمهات والأخوات والزوجات والبنات، حتى أستطيع أنا أن أهنأ بالعيش في أحضان مجتمع متوازن متكامل مزدهر لأنّ نصف أفراده نلن حقوقهنّ وحرّيّاتهنّ الإنسانية ثم شاركن بها في تنميته بفعاليّة.  عندما تصبح المرأة حرّة، سأدرك أنّي قد أصبحت حرّاً.  وفي حرّيّتي.. مصلحتي.

Mar 8, 2011

صهيونية" إسلامية؟"


حسنٌ.  والآن بعد أن نجحت في جذب انتباهك، فلأبيّن إذن ما المقصود من العنوان أعلاه.


التعريف الصهيوني (أو اليهودي-المسيحي، أو الغربي) للصهيونية: حركة سياسية تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، أرض أسلافهم التي وعدهم الله بها حسب كتابهم المقدس التوراة.

التعريف الموضوعي (أو المجرّد، أو الأوسع) للصهيونية: حركة سياسية عسكرية ذات مرجع ديني تهدف إلى إنشاء دولة على منطقة جغرافية محددة أو مفتوحة لتجمع أتباع ديانة ما بشكل حصري، بغضّ النظر عن مواطنهم الأصلية الموزّعة حول العالم، وعن المواطنين الأصليين من أتباع ديانات أخرى في تلك المنطقة الجغرافية المحددة أو المفتوحة، واستعمال كل الوسائل الضرورية للوصول إلى هذه الغاية.  وهنا قد يتّضح التشابه بين الصهيونية والاستعمار، بل ونراه يُمارس يوميّاً بصورته الخامّة في بناء وتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفّة الغربيّة.  وقد تبدو الصهيونية كتطوير أو ابتكار في صناعة الاستعمار، حيث يأتي المستعمِرون من معتنقي ديانة واحدة وليس من المُنتمين إلى قومية ما انطلاقاً من دولة (عادةً ما تكون أوروبية) قائمة بالفعل على الأرض، وبالتالي يشكّل المستعمِرون مجموعة متعددة الجنسيّات والثقافات عابرة للمحيطات والقارّات، من الصين والهند وكندا وإثيوبيا وبولندا وروسيا وفرنسا وألمانيا والأرجنتين ومصر والمغرب واليمن وإيران والعراق وكازخستان وأوزبكستان وجنوب إفريقيا وأستراليا وبريطانيا وأميركا وغيرهم.

وقد يتضح هنا أيضاً التقارب الروحي بين الصهيونية والتجربة الأميركية، وهما يلتقيان أصلاً في الخلفية الاستعمارية للإمبراطورية البريطانية وفي تجاهلهم جميعاً (المستعمِر الإمبريالي والمستعمِر المنشقّ عنه) لحقوق المواطنين الأصليين وانتقاص إنسانيتهم.  ونظرية "الاستثنائية الأميركية" ("American exceptionalism") السائدة في الأوساط السياسية الأميركية تأخذ عمقاً إيديولوجياً عَقَدياً أكثر حدّة في الأدبيّات المسيحيّة المحافِظة، التي تستوحي القصة التوراتية لبني إسرائيل في وصفها التاريخي لأولى هجرات "الحجاج" التطهّريين (Puritan Pilgrims) الانغليز الذين أسّسوا مستعمرة "بلايموث Plymouth" في عام 1620 م ، إحدى أوائل المستعمرات في الأرض الموعودة الجديدة (التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأميركية) ليمارسوا ديانتهم فيها بحُريّة ونقاء بعيداً عن أجواء الفساد والاضطهاد في أوروبا، وليستَولوا على الأرض وينهلوا من حليبها وعسلها ويقهروا الأمم التي كانت تقطنها بالإخضاع إن تيسّر أو بالإفناء إن تعذّر.  ولعلّ أشهر خطبة سياسية-موعظة دينية في التاريخ الأميركي كانت تلك التي ألقاها جون وِنثرُب (John Winthrop)، أحد قادة المستعمِرين التطهّريين، في عام 1630 م من على سطح سفينة آربلا الناقلة للمستوطنين إلى إنغلترا الجديدة ("New England") في العالم الجديد، والذي أصبح فيما بعد حاكماً لمستعمرة خليج ماساتشوستس.  تلك الخطبة-الموعظة اشتهرت بعبارة "مدينة على تلّة  a city upon a hill  "، المقتبَسة من إحدى مواعظ المسيح، والتي بقيت حية في الوجدان السياسي الأميركي إلى اليوم، كما تمّ اقتباسها في خطب مشهورة أخرى لكلٍ من الرمز الديمقراطي الرئيس جون كيندي (ابن ماساتشوستس) والرمز الجمهوري الرئيس رونالد ريغن (الذي أضاف كلمة "مُشرقة" لتُصبح العبارة "مدينة مشرقة على تلّة shining city on a hill")، وقال فيها وِنثرُب (ترجمتي الشخصية):
 "لأننا علينا أن نعتبر أننا سنكون كمدينة على تلة. عيون البشرية  مسلطة علينا. بحيث أننا إذا تعاملنا بزيف مع إلهنا في هذا العمل الذي أخذناه على عاتقنا، وجعلناه يسحب عونه الحاضر منا، فإنا سنصبح قصة وعبرة للعالم. سيتفوّه الأعداء بالسوء على طرق الله.. سنُخزي وجوه الكثير من عباد الله الجديرين، وسنجعل صلواتهم تتحول إلى لعنات علينا  إلى أن نُستنفد من الأرض الطيبة التي نتجه إليها. وإنّ في إقفال هذا الحديث بموعظة موسى، ذاك العبد المخلص لله، في خطبة وداعه الأخيرة لإسرائيل: ‘أيها الأحبة، يوجد الآن أمامنا الحياة والموت، الحق والباطل’، أننا مأمورون اليوم بأن نحب الرب إلهنا، ويحب بعضنا البعض، وأن نسير على طريقه ونحافظ على وصاياه وقضائه وشرائعه، وبنود ميثاقنا معه، حتى نحيا ونتكاثر، وحتى يبارك لنا الرب إلهنا في الأرض التي نقصدها لنستحوذ عليها."

فإذن أولئك "الحجاج"، أو الغزاة المستعمِرون بدافعٍ عَقَدي وشرعيّة دينية بتعبير أصحّ، كانوا روّاد الاستعمار الأوروبي البروتستنتي لأميركا الشمالية الذين استلهموا سفر الخروج في التوراة واعتبروا أنفسهم إسرائيليين جدد يفتحون كنعان جديدة (لاحظ تشابه رؤية "مدينة على تلة" مع مصطلحات "جبل صهيون" و"جبل المعبد" و"مدينة داود" والتي ترمز لمدينة القدس أو لكافة "الأرض الموعودة" في الأدبيات الصهيونية)، وإن لم يكن ممكناً أو مرغوباً تطبيق الحصريّة الدينيّة على التجربة الأميركية بشكل رسمي عند إعلان الاستقلال وتأسيس الدولة في 1776 م.

فهل يطمح المسلمون إلى التحوّل إلى قوة استعمارية عظمى؟  هل يحلمون بمستقبل إمبريالي ويتحرّقون شوقاً إلى أمجاد الإمبراطورية؟  هل يريد المسلمون أن يصبحوا "صهاينة"؟  أو حتى أن يتشبّهوا بالصهيونية؟  بمعنى أن يقيموا دولة تجمع كل المسلمين من جميع أنحاء الأرض على منطقة جغرافية محددة أو مفتوحة دون مبالاة بحقوق مواطنيها الأصليين من غيرهم وبإنسانيّتهم وثقافاتهم المختلفة، وأن يستعملوا كل الوسائل الضرورية للوصول إلى هذه الغاية؟
هل يعتبر المسلمون أنفسهم شعب الله المختار الجديد؟  هل الجهاد يعني أن الله استحلّ  لهم الأرض بما عليها من رقاب وأعراض وأموال تخصّ الشعوب الأخرى؟

كما يجدر باليهود، الذين عانوا من العنصريّة والاضطهاد وسلب ممتلكاتهم وإلغاء إنسانيّتهم، أن يكونوا أول المقاومين للظلم والعدوان على أي جماعة دينيّة أو عرقيّة أخرى، فضلاً عن أن يمارسوه أنفسهم، كذلك يجدر بالمسلمين، الذين عانوا من العنصريّة والاضطهاد والاستعمار الأوروبي والصهيوني وضياع حضارتهم وسلب ثرواتهم وهدر كرامتهم والتضييق عليهم في دينهم، أن يعترفوا بحقوق غير المسلمين في الحياة والأمن والكرامة والاستقلال والحرّيّة الدينيّة وتقرير المصير.  لا يَصدُق كفاح المظلوم في سبيل حقوقه ولا يكتمل بالقوّة الأخلاقيّة والحجّة المنطقيّة التي تنصره في النهاية إن لم يُسلّم المظلوم للآخرين بذات الحقوق.

إذن فالوسيلة الفعّالة لمناهضة الصهيونيّة يجب أن تشمل مكافحة المبدأ الذي تستند عليه، أي الفكرة الاستعمارية ذات المرجع الديني الحصري والإقصائي بالنسبة للأغيار (الأمم من غير اليهود أو "الجنتايل Gentile" في حالة الصهيونية اليهودية، أو "الكفّار" في نظر المسلمين ذوي النزعة الاستعمارية)، أيّاً كانت الديانة التي تُنسب إليها الشرعيّة المزعومة لذلك المبدأ العنصري.  بل ويُفترض أن مجرّد كشف عنصريّة هذه الشرعيّة وتعريتها كافياً لسقوطها لأنها لا تقوم إلا بالقوّة الصِرفة، أي قوّة البارود والنقود أو المِدفع والمدفوع، فتبقى حتماً شرعيّة عدائية فاسدة تحابي أتباع ديانة ما على حساب غيرهم، الذين لا يؤمنون أصلاً بتلك الشرعية وأساسها اللاهوتي، وتُميّز بين البشر على أساس عقائدهم، وبالتالي لا يمكن قبولها فلسفياً أو علمياً أو قانونياً في عالم يولد فيه جميع أعضاء الأسرة البشرية أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق.  فعالم كهذا، عندما يتحقق، سيخلو حتماً من أي استلهام لما يُفترض أن أمر به إلهٌ ما "أبناءه" و"أحبّاءه":

"10 وإذا اَقتَرَبتُم مِنْ مدينةٍ لِتُحارِبوها فاَعْرُضوا علَيها السِّلْمَ أوَّلاً، 11 فإذا اَستَسلَمَت وفتَحَت لكُم أبوابَها، فجميعُ سُكَّانِها يكونونَ لكُم تَحتَ الجزيةِ ويخدِمونكُم. 12 وإنْ لم تُسالِمْكُم، بل حارَبَتكُم فحاصَرتُموها 13 فأسلَمَها الرّبُّ إلهُكُم إلى أيديكُم، فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. 14 وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم. 15 هكذا تفعَلونَ بجميعِ المُدُنِ البعيدةِ مِنكُم جدُا، التي لا تخصُّ هؤلاءِ الأُمَمَ هُنا. 16 وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكًا، فلا تُبقوا أحدًا مِنها حيُا 17 بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم، وهُمُ الحِثِّيّونَ والأموريُّونَ والكنعانِيُّونَ والفِرِّزيُّونَ والحوِّيُّونَ واليَبوسيُّونَ، كما أمركُمُ الرّبُّ إلهُكُم 18 لِئلاَ يُعَلِّموكُم أنْ تفعَلوا الرَّجاساتِ التي يفعَلونَها في عِبادَةِ آلِهَتِهم فتَخطَأوا إلى الرّبِّ إلهِكُم."؟
سفر التثنية، إصحاح 20

Mar 7, 2011

Neo-Arabs


History is forcing a new definition of the word "Arab" upon us, at least in response to the radically shifting emotions conjured up when it's encountered: from terror to freedom, from barbarism to dignity, from despair to inspiration.


But wouldn't defining an alleged Neo-Arab be as risky as predicting the outcome on a landscape of a hurricane in the midst of its rage? Perhaps. Yet, I, and certainly many millions of others, do feel something previously unfelt, as if breathing an unprecedented air: a new Arab is emerging, like a genie confined for millennia, cruelly constricted, in a cramped rusty lamp that stopped working a long time ago, growing taller and bigger toward the heavens and across the horizon.

It may be much easier to describe what's NOT the Neo-Arab (let’s call it the Old Arab) than what it is: He rules his domain omnipotently, be that a woman, a household, a street, a company, an institution, or a country, with a mandate from God.  He must cling to the mantle of a sheikh, a more powerful patriarch, for him to have his own little sheikhdom.  If he’s not a wolf, he’s prey. And if he’s prey, he’s doomed by the insurmountable will of God, who created him to be victimized.  His religion is fear and greed.  His people are distinct from all humankind, either superior or inferior, or both depending on who, where, and when.  He's parochial, intolerant, monolithic, and seeks God not by obeying Him but by imitating Him.  He's never wrong, either because he can’t make mistakes or is afraid of making them in the first place; so he never feels guilty. He's a tyrant at heart, oppressing his conscience, tormenting others.

Mix that with power, and you’ve got Ben Ali and his cronies, Mubarak and his thugs, Qaddhafi and his mutants, and the rest of the gang.  Though these fallen idols may epitomize the Old Arab, it’s certainly not only them.  And “Old” here doesn’t necessarily denote age: Qaddhafi is old, his lieutenant son is young; but both are Old Arabs.  The Old Arab can also be seen in my own father, most Arabs I know, and, of course, myself.  No revolution can bring about a Neo-Arab unless it’s underpinned by one within.

Although the Neo-Arab is yet to be identified, a model is taking shape, or can be shaped up if the momentum is aptly mounted, which may serve as a goal to be pursued.  Paradoxically, this Neo-Arab may not be subject to definition, lest he would resemble the excessively defined Old Arab.  He does not come in one color.  The Neo-Arab may be a she, or something else; a Muslim, Christian, or even an atheist; as these identities can’t be generalized and are matters of natural existence, personal choice, and privacy, dearly valued by the Neo-Arab, who may not even speak Arabic, yet identifies, culturally or otherwise, with the Arabs.

Nevertheless, I shall attempt to sketch a Neo-Arab prototype:  She realizes that she’s first and foremost an individual human being, given the divine gift of life and its inseparable component of freedom, and that along with that comes an individual responsibility which can’t be delegated to another person, or to a group of persons.  He has rights, which are no less precious than bread, water, and air.  And he grants others their rights in return for earning his.  She’s driven by enlightened self-interest.  What’s good for her is what’s ultimately good for her society.  What’s good for her country is what’s ultimately good for the world.  He is not ruled by a sheikh, whether religious or tribal or mercantile, who provides for him and protects him from evil, or by anyone at all for that matter.  Rather, he, among equals, is governed by competent equals who represent his interest and enforce justice for all.  She has been illuminated that “La ilaha illa Allah” means that only God merits her servitude, and that nothing else whatsoever is to be idolized: no man, thing, idea, symbol, or self is to be associated with God as the only purpose of worship.

With a newfound freedom, earned by a fearlessly overwhelming will of the people, Neo-Arabs will cherish the principle of freedom the most as they’ve been deprived of it the longest, so much that they would never deny anyone else that birthright.  Neo-Arabs reject hegemony, whether over or by them.  And they see before them a vast realm of possibility, clear of the ever thwarting mantra of the Old Arab: “laysa bil-imkan ahsan min ma kan” (it can never be better than it is.)  They see it, I dare say, with optimism and self-confidence, enough to feel the responsibility, moral authority, and right to innovate their own brand of democracy and present it to the world: one that cannot be manipulated by the powerful and the rich, that doesn't end up just another ideology exploited by strategic planners and shrewd marketeers, that's not a veneer for autocracy, oligarchy, plutocracy, kleptocracy, fascism, or one-party rule in the disguise of a multi-party system; a democracy that’s not about fucking the poor or fucking the rich, that's not crippled by division between rivals for control; a democracy that remains true to its original ends: peace, justice, and equality for free people who rule themselves.  Such democracy would be submission to God’s will and a vehicle for His compassion.

This must depend largely on whether enough inner revolutions occur for the Neo-Arabs to triumph in Egypt, Tunisia, and, Libya.  It depends on whether this nascent core of the Islamic civilization succeeds in pioneering a model for delivering it from its Wilderness, for its rebirth as a leading world civilization at peace within and without: an Islamic civilization that embraces its diversity and grows bigger by it; one that provides the world with a firm center and offers its richness to it; one that is humbled by its pride in being the birthplace of civilization itself, the crossroads for human migration and exchange of goods and ideas throughout history, the beacon of faith that illuminated people’s hearts the world over, the mouth from which God’s word spread to the farthest fringes of the earth; an Islamic civilization that is on a par with other world civilizations and positively collaborates with them for the wellbeing of humanity.

It's a clean white page. What an opportunity. What a challenge.